
كتب الأستاذ إبراهيم عيسى أمس في الدستور مقاله اليومي تحت عنوان
( ادعي بقى )
والمقال - باختصار - كان يدور عن حول محاسبة الرئيس على أعماله وبعض قيادات الدولة ..
بعد انتهائي من قراءة المقال عدت بذاكرتي بضع شهور إلى الوراء لأتذكر المناقشة الحادة التي دارت بين الدكتور مفيد شهاب وبين أحد نواب المجلس حول موضوع مساءلة الرئيس عن أعماله وعن قراراته ودفاع الدكتور شهاب عن ذلك بعصبية تراها من بين يديه ومن بين شفتيه ..
وتذكرت أيضا مقالا لإبراهيم عيسى في دستوره حول هذا الأمر ثم المقالة التي أرسلها الدكتور مفيد يؤكد فيها كلامه ويوضح بها بيانه أن الحاكم لا يسأله أحد عما يفعله ولا يحاسبه أحد عن ما يقوله ..!!!
هل غدى سموه إلاها لا يسأل عما يفعل وهم يسئلون ..؟؟
وهل أضحى فخامته ربا يلقي إلى عبيده الأوامر من القصر فيتلقونها مسبحين بحمدها وشاكرين نعمائه وعطائه ..؟؟
وهل صار معاليه آلهة في الأرض يشير ولا يستشير ويعطي أوامره لعباده فيخرون عليها بكما صما ..؟؟
ما هذا العبث ..!!
إن صعلوكا من صعاليك الأعراب الذين لا يؤبه بهم من شعثهم وغبرهم لو سمع هذا الكلام لجثا على ركبتيه من هوله ، ولو سمع بها شيخ هرم ما صار يعرف من الحياة إلا طريق المسجد وطريق فراشه لو رأى ذلك لأقسم على زندقة هذا الرجل وكفره ..!!
في أي كتاب قرأ الدكتور مفيد هذا ، وفي أي منطق وجده ، بل في أي دين ثبت هذا وفي أي ملة ..؟؟
كيف نرضى أن يقف رجل منا كان يوما يسرح في شعابنا ويلعب مع أقرانه أن يكون بين عشية وضحاها في مقام آلهة لا تسئل عما تفعل ولا تحاسب عما تخطأ ..؟
وهب أنه فذ لا يشق له غبار وعبرقي لا يجاريه فارس في مضمار ألا يسهو يوما أو يعثر في رأي أو فكرة ..؟؟
إن الله حكى أمر بلقيس في كتابه وقد ملكت ملكا عظيما - كان أكبر من ملك مصر - فلما رأت الدواهي والعواصف فزعت إلى رجالها تسأل وتستشير وتفهمهم أنها ما كانت لتمضي في طريق دون أن تسترشد بهم وتعرف رأيهم
قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ [النمل : 32]
فمن ورث من بلقيس هذا ..؟؟
من الخزي أن الذي ورث منها كانت امرأة تتخذ عجلا آلهة ( آنديرا غاندي ) وتحكم شعبا لا يدري عن آلهت إلا أنها بهيمة تركض معهم في الشوارع وتموت أمام أعينهم فما كانت تقطع في أمر إلا أخذت رأي عصبتها وساستها ..!!
فما بقي لنا نحن ..؟؟
إن امرأة لو حكمتنا بالشورى ومعها ساسة ونواب يقومونها إذا اعوجت ويقونها إذا أصابت أحب إلينا وإلى الله من مستبد يقف على شواربه الغراب يقول ما قاله أخوه فرعون ( ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد )
ويقف طاغية صغير خلفه يكافح وينافح عنه .. !!
ألا قبح الله هذا وأمثاله فإنه لحق أن يضربوا ببطون السيوف لا ببطون الكفوف ..
أختم بقولة رائعة للشيخ الغزالي عليه رضوان الله في كتابه الماتع المانع ( علل وأدوية ) قوله وهو يصف أمثال هؤلاء المتكبرين وسخريته منهم :
( وهذا الحاكم عالم بكل شئ ، قدير على أى شئ وربما يكون عاجزا عن حل معادلة جبرية ثم يعرض عليه ملف أنيشتين فينظر فيه بازدراء ثم يقول : هذا الشخص معارض لنا أو هذا الشخص لم يسمع منه ثناء علينا كان يجب طرده من وظيفته ولكن - عطفا منا عليه ينقل إلى العمل بإدارة المخازن ثم تنشر الصحف نبأ ترقية انشتين وعطف الرئيس عليه )
رضي الله عن الغزالي وانتقم الله من الظالمين المتسلطين
... مزاجات